فصل: تفسير الآية رقم (42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عامر الشعبي في قوله: {لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} قال: رجل من اليهود قتل رجلًا من أهل دينه، فقالوا لحلفائهم من المسلمين: سلوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن كان يقضي بالدية اختصمنا إليه، وإن كان يقضي بالقتل لم نأته.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن أبي هريرة «أن أحبار اليهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد زنى رجل بعد احصانه بامرأة من اليهود وقد أحصنت، فقالوا: ابعثوا هذا الرجل وهذه المرأة إلى محمد فاسألوه كيف الحكم فيهما وولوه الحكم فيهما، فإن حكم بعملكم من التجبية، والجلد بحبل من ليف مطلي بقار، ثم يسود وجوههما، ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل أدبار الحمار، فاتبعوه فإنما هو ملك سيد القوم، وإن حكم فيهما بالنفي فإنه نبي فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكم.
فأتوه فقالوا: يا محمد. هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت، فاحكم فيهما فقد وليناك الحكم فيهما، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارهم في بيت المدراس فقال: يا معشر يهود، أخرجوا إليَّ علماءكم، فأخرجوا إليه عبد الله بن صوريا، وياسر بن أخطب، ووهب بن يهودا، فقالوا: هؤلاء علماؤنا. فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حصل أمرهم إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا: هذا أعلم من بقي بالتوراة، فخلا رسول الله صلى الله عليه وسلم به وشدد المسألة وقال: يا ابن صوريا، أنشدك الله وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة؟ فقال: اللهم نعم، أما والله يا أبا القاسم، إنهم ليعرفون أنك مرسل ولكنهم يحسدونك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بهما فرجما عند باب المسجد، ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا وجحد نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} الآية»
.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال «أول مرجوم رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، زنى رجل منهم وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله، وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك. قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد وأصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمه كلمة حتى أتى مدراسهم، فقام على الباب فقال: أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا يحمم ويجبه ويجلد، والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار، ويقابل أقفيتهما، ويطاف بهما، وسكت شاب، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت، ألظ النشدة فقال: اللهم نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، ثم زنى رجل في أسرة من الناس، فأراد رجمه فحال قومه دونه، وقالوا: والله ما نرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا بهذه العقوبة بينهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرجما. قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا} [المائدة: 44] فكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم».
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والنحاس في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء بن عازب قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود، فدعاهم فقال: «أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلًا من علمائهم فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجعل شيئًا نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه»، وأمر به فرجم، فأنزل الله: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} إلى قوله: {إن أوتيتم هذا فخذوه} وإن أفتاكم بالرجم {فاحذروا} إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال في اليهود {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45] قال: في النصارى إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [المائدة: 47] قال: في الكفار كلها.
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له رجلًا منهم وامرأة زنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما تجدون في التوراة؟ قالوا: نفضحهم ويجلدون. قال عبد الله بن سلام: كذبتم ان فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقال ما قبلها وما بعدها، فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا آية الرجم. قالوا: صدق، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما».
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} قال «هم اليهود، زنت منهم امرأة وقد كان حكم الله في التوراة في الزنا الرجم، فنفسوا أن يرجموها وقالوا: انطلقوا إلى محمد فعسى أن تكون عنده رخصة، فإن كانت عنده رخصة فاقبلوها، فأتوه فقالوا: يا أبا القاسم إن امرأة منا زنت، فما تقول فيها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف حكم الله في التوراة في الزاني؟ قالوا: دعنا مما في التوراة، ولكن ما عندك في ذلك؟ فقال: ائتوني بأعلمكم بالتوراة التي أنزلت على موسى. فقال لهم: بالذي نجاكم من آل فرعون، وبالذي فلق لكم البحر فانجاكم وأغرق آل فرعون، إلا أخبرتموني ما حكم الله في التوراة في الزاني؟ قالوا: حكمه الرجم، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله في قوله: {من الذين هادوا سماعون للكذب} قال: يهود المدينة {سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} قال: يهود فدك {يحرفون الكلم} قال: يهود فدك {يقولون} ليهود المدينة {إن أوتيتم هذا} الجلد {فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} الرجم.
وأخرج الحميدي في مسنده وأبو داود وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: زنى رجل من أهل فدك، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة اسألوا محمدًا عن ذلك، فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه، فسألوه عن ذلك فقال: أرسلوا إليَّ أعلم رجلين منكم، فجاؤوا برجل أعور يقال له ابن صوريا وآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما «أليس عندكما التوراة فيها حكم الله؟ قالا: بلى. قال: فانشدك بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وظلل عليكم الغمام، ونجاكم من آل فرعون، وأنزل التوراة على موسى، وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل، ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقال أحدهما للآخر: ما نشدت بمثله قط: قالا: نجد ترداد النظر زنية، والاعتناق زنية، والقبل زنية، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئ ويعيد كما يدخل الميل في المكحلة فقد وجب الرجم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فهو كذلك، فأمر به فرجم، فنزلت {فإن جاؤوك فاحكم بينهم} إلى قوله: {يحب المقسطين} [المائدة: 42]».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} قال: نزلت في رجل من الأنصار، زعموا أنه أبو لباتة أشارت اليه بنو قريظة يوم الحصار ما الأمر على ما ننزل، فأشار إليهم أنه الذبح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ومن الذين هادوا سماعون للكذب} قال: هم أبو يسرة وأصحابه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله: {سماعون لقوم آخرين} قال: يهود خيبر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {سمَّاعون لقوم آخرين} قال: هم أيضًا سماعون ليهود.
وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في قوله: {يحرِّفون الكلم عن مواضعه} [المائدة: 13] قال: كان يقول بني إسرائيل: يا بني أحباري، فحرفوا ذلك فجعلوه يا بني أبكاري، فذلك قوله: {يحرفون الكلم عن مواضعه} وكان إبراهيم يقرأها {يحرفون الكلم من مواضعه}.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {يحرفون الكلم من بعد مواضعه..} الآية. قال: ذكر لنا أن هذا كان في قتيل بني قريظة والنضير، إذ قتل رجل من قريظة قتله النضير، وكانت النضير إذا قتلت من بني قريظة لم يقيدوهم، إنما يعطونهم الدية لفضلهم عليهم في أنفسهم تعوذًا، فقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة فسألهم، فأرادوا ان يرفعوا ذلك إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم، فقال لهم رجل من المنافقين: إن قتيلكم هذا قتيل عمد، وإنكم متى ترفعون أمره إلى محمد أخشى عليكم القود، فإن قبل منكم الدية فخذوه وإلا فكونوا منهم على حذر.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه} قال: إن وافقكم وإن لم يوافقكم {فاحذروه} يهود تقول: للمنافقين.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {يحرفون الكلم} يعني حدود الله في التوراة. وفي قوله: {يقولون إن أوتيتم هذا} قال: يقولون إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه وإن خالفكم فاحذروه. وفي قوله: {ومن يرد الله فتنته} قال: ضلالته {فلن تملك له من الله شيئًا} يقول: لن تغني عنه شيئًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لهم في الدنيا خزي} قال: أما خزيهم في الدنيا، فإنه إذا قام الهدى فتح القسطنطينية فقتلهم فذلك الخزي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: {لهم في الدنيا خزي} مدينة تفتح بالروم فيسبون.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله: {لهم في الدنيا خزي} قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. اهـ.

.تفسير الآية رقم (42):

قوله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر التحريف، ذكر أثره وهو الحكم به فقال مكررًا لوصفهم زيادة في توبيخهم وتقبيح شأنهم: {سمّاعون} أي هم في غاية الشهوة والانهماك في سماعهم ذلك {للكذب أكّالون} أي على وجه المبالغة {للسحت} أي الحرام الذي يسحت البركة أي يستأصلها، وهو كل ما لا يحل كسبه، وذلك أخذهم الرشى ليحكموا بالباطل على نحو ما حرفوه وغيره من كلام الله، قال الشيخ أبو العباس المرسي: ومن آثر من الفقراء السماع لهواه، وأكل ما حرمه مولاه، فقد استهوته نزعة يهودية، فإن القوال يذكر العشق والمحبة والوجد وما عنده منها شيء.
ولما كانوا قد يأخذون الرشوة ولا يقدرون على إبرام الحكم بما أرادوه، فيطمعون في أن يفعلوا ذلك بواسطة ترافعهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيترافعون إليه، فإن حكم بينهم بما أرادوا قبلوه واحتجوا به على من لعله يخالفهم، وإن حكم بما لم يريدوه قالوا: ليس هذا في ديننا- طمعًا في أن يخليهم فلا يلزمهم بما حكم، أعلمه الله تعالى بما يفعل في أمرهم، وحذره غوائل مكرهم، فقال مفوضًا الخيرة إليه في أمر المعاهدين إلى مدة- وأما أهل الجزية فيجب الحكم بينهم إذا ترافعوا إلى حاكمنا- مسببًا عن أكلهم الحرام وسماعهم الكذب: {فإن جاءوك} أي طمعًا في أن تؤتيهم ما حرفوا إليه الكلم {فاحكم بينهم} أي إن شئت بما أنزل الله عليك من الحق {أو أرض عنهم} أي كذلك.
ولما كان قوله: {وإن} دالًا بعطفه على غير معطوف عليه أن التقدير: فإن حكمت بينهم لم ينفعوك شيئًا لإقبالك عليهم، قال: وإن {تعرض عنهم} أي الكفرة كلهم من المصارحين والمنافقين {فلن يضروك شيئًا} أي إعراضك عنهم واستهانتك بهم.
ولما كان التخيير غير مراد الظاهر في جواز الحكم بينهم عند الترافع إلينا وعدمه، بل معناه عدم المبالاة بهم، أعرض عنهم أولًا، فحقيقته بيان العاقبة على تقديري الفعل والترك، علَّمه كيف يحكم بينهم، فقال عاطفًا على ما قدرته: {وإن حكمت} أي فيهم {فاحكم} أي أوقع الحكم {بينهم بالقسط} أي العدل الذي أراكه الله- على أن الآية ليست في أهل الذمة، والحكم في ترافع الكفار إلينا أنه كان منهم أو من أحدهم التزام لأحكامنا أم منا التزام للذب عنهم وجب، لقوله تعالى: {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} وإلا لم يجب، ثم علل ذلك بقوله: {إن الله} أي الذي له صفات الكمال {يحب المقسطين} أي الفاعلين للعدل السوي من غير حيف أصلًا. اهـ.